ساهور الأرض

في طريقنا إلى البحر، كان في حجري، و كان يسأل عن كل شيء فسألته إذا كان يريد قصة، فأومأ بالإيجاب. حلت عليّ نشوة الهذيان فأنا لم أمارس الحكي منذ مدة (و إن في كتابتي تفصيلات أكثر مما حكيت و في نفسي تفصيلات أكثر مما كتبت)

مر زمن على ناس يسألون كثيراً حتى هربت الأسباب، و ظلوا تائهين كئيبين في مجاعة الملل. كانوا في صحراء بسيطة، لم يعد مداها يستهوي النظر و لا يغوي الرحالة بالسفر. و في يوم، صعد صبي عمود الكهرباء عازماً السفر إلى السماء، هناك حيث لا يوجد مدى. و في أثناء صعوده وجد خيطاً حريرياً متدلٍّ من السماء من فضاء لم ينكشف بعد فتشبث به و تسلق حتى بان أصل الخيط. فقد كان نسلاً من سجادة رآها الصبي تزخرف السماء و تستر الأرض عن كون فسيح، فيها من رسوم الخلق عجيبها، و من ألوان الحياة بديعها و ما أن وصلها حتى انقلبت موازين جذبه و عينه أخذت مكان رجله. و صار يتفسح على هذه السجادة العظيمة و يتمنظر على ما يتكتل منها و يتشكل و يتحرك ثم يرجع يتسطح ثم رأى أن كائنات هذا النسج تتغازل، فتتقارب لاعبة و تتباعد مداعبة بلا سبب أو أدب، فحادث الصبي غزال ترقص تحت شجرة برتقال أو شيء مثل هذا و اشتكى لها حال قومه، فأشارت عليه أن يذهب إلى الأبّار (صانع الإبر) و نبهته بأن ليس له مكان واحد و إنما يصنع في كل بقعة إبرة و لهذا وجب على الصبي -حسب وصف الغزال- أن يذهب إلى أكبر مَزَل و الذي فيه تتقعر السجادة أو تتحدب

ذهب الصبي إلى الأبّار الذي عَجُبَ عليه أمره، فإن طل عليه من وجه السجادة خرج الأبّار لظهر السجادة و هذا ما كان في حالهما طوال فترة حديثهما، حتى اتفقا على أن يصنع الأبّار للصبي إبرة يخيط بها السجادة بالصحراء حيث يسكن. أدخل الصبي خيطاً في عين إبرته و نزل إلى أرضه الترابية يغرزها في غيرانها ثم يصعد، ثم ينزل، ثم يصعد، ثم ينزل، حتى إذا زادت الغرز و كثرت الخيوط بين السجادة و الصحراء صارت الكائنات تنزل عازفة لحناً من ذات الأوتار التي خيطت بها، فتجمعت الأقوام إثر عذب النغم يلتمسون جديداً و تدافعوا ينظرون ما الخبر، و لكن القادمون من سجادة السماء لم يشرحوا شيئاً و إنما بدأوا يعلمون الناس ألعاباً و رقصات و ما زالوا على ذلك حتى انشغل بعضهم ببعض و قضى كلٌ قضيته و هبّت مع ذلك ريح قوية صيرت صوت الأوتار نشازاً يكاد يصم الآذان، و لذلك رأى الصبي أن يفل قِران الأرض بالسماء و يتركهما للتوازي، فذهبت الكائنات الجميلة عن تلك التي مسحها الغبار راجعة مع الريح إلى مرباها، و انقشع بعد حين خمار الأرض الزخرفي لتلون وجهها بنور الشمس، و منذ ذلك الحين تعلّمت الأقوام كيف يلعبون، و كيف يرقصون