بعض يوم

مريضة صار لي يومين و حالتي تصعب على الغلبان. البارحة غمضت عيوني و غمض معها أنفي و أذناي. و عندما استيقظت صباحاً أصبح لزاماً أن أزور الطبيب الذي لا أحب الإثقال عليه إلا إذا انكسرت إحدى عظامي أو وقعت مغشياً عليّ. قادت بي السيارة ذاهبات إلى المستوصف و دخلت معنا امرأة تلبس عباة على دراعتها الكركمية و نظارة على وجهها الأسمر و طلاء أحمر على أظافرها التركيب. و تمشي خلفها خادمتها الهندية التي تلبس مريولاً "مبَكَّر" مع سترة كحلية و حجاب ترابي اللون بنقشة بنية على أطرافه. كنا نتناقش حول أسلوب الزبالين في لبس الكوفية عندما دخلنا المستوصف و هناك عند الكاتبات كان يقف رجل يلبس الچريمبه عند أحدى الموظفات يستفسر عن أمر ما

- دائما أرى مشهد الشايب يستفسر عند أي مكان للاستفسار أو ينتظر في كل مكان انتظار أو يسأل الحارس لأنه يقف لتوجيه السائلين
- ربما لا يشتهي الرجل أن يتحدث إلا في نهاية حياته

دخلت على الدكتورة، فسألتني
-أنتِ ديمة؟
-نعم
-كنتِ سمينة و نحفتِ؟
- (في استغراب) لا فيني فلونزا*

كانت تقرأ في ملفي القديم و أذكر أن كانت آخر توصيات للدكتور هي بالتغذية السليمة بسبب انتهاء فترة تناول الدواء لعلاج الأنيميا. كشفت عليّ و وصفت لي قطرة للأنف و قطرة للأذن و حبة للعضلات و حبة للنوم و خرجت منها حائزة على الجوائز الأربع المذكورة

في السيارة طلبت من أختي أن نشتري چباتي (نوع خبز)، فذهبنا إلى جمعية القادسية و إذا بكشك الچباتي أكثر مناطق الجمعية ازدحاماً وقفت خلف السيدتين أمام النافذة المخصصة للسيدات

-أنا كذا مرة أقول لك بالخضرة و البطاط قلل الملح
و كان رده عليها أن مدّ يده إلي لاستلام المائة و خمسين فلساً حق الچباتي بالجبن "جلاس" كما هو معلق على نافذة المحل. كنت ألبس كنزة بنية فضفاضة و تنورة جينز، و شال رمادي حول رقبتي و أمسك حقيبة مربعة، وقفت أختي تنتظرني من بعيد و كانت عليها ملابس رياضة لكي تمشي بعد قليل على شاطئ الشويخ

- أحس من لا يعرفك من الناس يحسبك متنكرة
- كيف؟
- شكلك كأنك كنتِ مثلنا لكن تنكرتِ

سكتُ عنها، فسألتني و نحن في الطريق إلى الشاطئ

- سأمشي قرابة الساعة، هل تستطيعين الجلوس و الانتظار ساعة؟-

جاوبتها بالموافقة و وصلنا ذهبت تمشي و جلست على الثيّل المختلط بقشور الحَبّ متمتعة بجمال الجو و مدللة نفسي بالجوائز الأربع الذي أعطاني إياها الصيدلاني الطيب. هناك استلقيت و أرحت جسدي على التل الأخضر، هنا أب هندي يعلّم إبنه لعبة الغولف و هناك عند البحر انحشرت عائلة هندية من أب و أم و ثلاثة أولاد على كرسي الاستراحة المقابل للمدى البحري

و ظللت مستلقية هناك أراقب ناقلة البضائع العظيمة و سفينتان صغيرتان تستقبلانها من الميناء و كأنهما طفلتان تلعبان حول أمهما في الجمعية. غفوت لحظات ثم اعتدلت بعد صياح الطفل بجانبي، حتى رأيتها عائدة ركضاً إليّ و رجعنا إلى البيت

*انفلونزا بالكويتي