عندي خُمور
عندي عُطور
عندي بَخور الهند يا تجار مكة يا ملوك
عندي القلائد و الأساور للجواري و النساء
من يشتري أفراح بحارٍ يعود مع المساء
الشمس في عينيه ماتت مثلما مات العبير
و النور في بيت خلا لولا حصير
و فتيل مسرجة كأهداب الضرير
لِمَ تُنبت الأرض الزهور
و عظام موتانا بها؟ أين الحبيبة؟
ماتت من الجُدَريِّ طيبة
من يشتري كل المَحار؟
من يشتري كل البِحار؟
بعيون طيبة يا نهار
قد أطفأت عينيك عيناها فحاربْتَ الضياء
أين الضياء؟
بعيونها، أين انطلاقات الضفيرة؟
و وميض مَفْرِقِها كخطٍ من نجوم
في ليل أيامي الحزينة، أين أفراح اللقاء؟
لما أعود و ملء أعماقي كآبات المساء
أين الضفيرة حين أنشرها كليل من عبير
مثل القرنفل؟ أين ضحكتها الحزينة
لما أعود من البحار إلى المدينة؟
أفراح عينيها تُذيب بي العناء
و لقاؤها. أواه ما أحلى اللقاء
من غير وعد فالدموع
تهمى مع الفرح المُغنّى في الضلوع؛
أحبابنا دخلوا المدينة
يا ليت أهدابي شراع للسفينة
غداً القلوع
أمس رسونا و الرحيل غداً. و مالي من رجوع
غنيت أمس للعيون و للورود على الخدود
غنيت أمس لمن أحب و همت في ليل البحار
لأعود ثانية لها. و معي الهدايا للصغار
و اليوم حاربتُ الظهيرة و النهار
شمس بلا أقمار عينيها ظلام
إطفِ الشموع
فعيون طيبة كل ما حَوَت الشموع
و الكل وهمٌ و الحياةُ إلى الفناء
أبوابنا غُلِقت كمقبرة فأمطرت السماء
بالموت و الُجُدَرِيِّ أمطرت السماء
بيتي تهاوى مثل أضلاعي و مات به العبير
حتى الحصير
لم يبق منه الداء شيئا يا حياتي يا فناء
أيامي الأولى و يا طيبة الجميلة
عيناك تحت الأرض تُبرِقُ لي كفانوس بعيد
يُومي إلىَّ. أكاد ألمس مِن هوىً عرق الضفيرة
مذ كنتِ عند البئر تحت لظى الظهيرة
يا قرطها الذهبي يا كُحلَ العيون
يا طيب مَبخَرةٍ يغازلني الدُخان
فيها فثوبي من روائحها يضوع
يا حِقها الوردي يا صندوقها تحت الشموع
و إضاءة الأهداف في الأخشاب مِن صُنع الهنود
يا ثوبها يا ردنها المعطار حين تلفّه لما أعود
عطر البنفسج تحت نهديها و في فمها الورود
يا شهرزادي في البحار
أروي حكايتها لروحي. الوداع
فأنا سأرحل. أصدقائي و الشراع
في الشاطئ النائي. سأرحل فالوداع
مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١
تتذكر، و أتذكر و مالي من ماضيك بتذكار و إنما هذا حال التاريخ يملي علينا الأحداث أشكالا فأكاد أكون رأيت. أنا ما رأيت و لكني عكست التاريخ من كلماتك صوراً و مددت من عمري إلى قبل هذا العمر لكي أُتْبِع فيه أوراقك الخاصة و غوايات الضفيرة. بحّاري لا تنادي فأنت في دار الصدى؛ متوازيان برٌّ و بحر، لا تنادي فقد تعشق ذاتك، أو تناديها فتُنكِر ذاتك. هي في الثوب المشجّر و علامات الطُّوَف، هي في صوت الصباح، هي في المكحلة و المبخرة و الصندوق و جميع تماثيل الأنوثة. هي حولك و أنت فيها، لا أراها توارت في الثرى طيبة. حسها في صيحات أطفالك و لونها صَبَغَتْ به يديك، و شفتيها تقاسمتها الشموس فقُبلةٌ في كل حين
إرحل حبيبي فكذا عهدتك راحلا، لكن لا تأمنن الرحيل فقد يجرّ رحيلا
عندي عُطور
عندي بَخور الهند يا تجار مكة يا ملوك
عندي القلائد و الأساور للجواري و النساء
من يشتري أفراح بحارٍ يعود مع المساء
الشمس في عينيه ماتت مثلما مات العبير
و النور في بيت خلا لولا حصير
و فتيل مسرجة كأهداب الضرير
لِمَ تُنبت الأرض الزهور
و عظام موتانا بها؟ أين الحبيبة؟
ماتت من الجُدَريِّ طيبة
من يشتري كل المَحار؟
من يشتري كل البِحار؟
بعيون طيبة يا نهار
قد أطفأت عينيك عيناها فحاربْتَ الضياء
أين الضياء؟
بعيونها، أين انطلاقات الضفيرة؟
و وميض مَفْرِقِها كخطٍ من نجوم
في ليل أيامي الحزينة، أين أفراح اللقاء؟
لما أعود و ملء أعماقي كآبات المساء
أين الضفيرة حين أنشرها كليل من عبير
مثل القرنفل؟ أين ضحكتها الحزينة
لما أعود من البحار إلى المدينة؟
أفراح عينيها تُذيب بي العناء
و لقاؤها. أواه ما أحلى اللقاء
من غير وعد فالدموع
تهمى مع الفرح المُغنّى في الضلوع؛
أحبابنا دخلوا المدينة
يا ليت أهدابي شراع للسفينة
غداً القلوع
أمس رسونا و الرحيل غداً. و مالي من رجوع
غنيت أمس للعيون و للورود على الخدود
غنيت أمس لمن أحب و همت في ليل البحار
لأعود ثانية لها. و معي الهدايا للصغار
و اليوم حاربتُ الظهيرة و النهار
شمس بلا أقمار عينيها ظلام
إطفِ الشموع
فعيون طيبة كل ما حَوَت الشموع
و الكل وهمٌ و الحياةُ إلى الفناء
أبوابنا غُلِقت كمقبرة فأمطرت السماء
بالموت و الُجُدَرِيِّ أمطرت السماء
بيتي تهاوى مثل أضلاعي و مات به العبير
حتى الحصير
لم يبق منه الداء شيئا يا حياتي يا فناء
أيامي الأولى و يا طيبة الجميلة
عيناك تحت الأرض تُبرِقُ لي كفانوس بعيد
يُومي إلىَّ. أكاد ألمس مِن هوىً عرق الضفيرة
مذ كنتِ عند البئر تحت لظى الظهيرة
يا قرطها الذهبي يا كُحلَ العيون
يا طيب مَبخَرةٍ يغازلني الدُخان
فيها فثوبي من روائحها يضوع
يا حِقها الوردي يا صندوقها تحت الشموع
و إضاءة الأهداف في الأخشاب مِن صُنع الهنود
يا ثوبها يا ردنها المعطار حين تلفّه لما أعود
عطر البنفسج تحت نهديها و في فمها الورود
يا شهرزادي في البحار
أروي حكايتها لروحي. الوداع
فأنا سأرحل. أصدقائي و الشراع
في الشاطئ النائي. سأرحل فالوداع
مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١
تتذكر، و أتذكر و مالي من ماضيك بتذكار و إنما هذا حال التاريخ يملي علينا الأحداث أشكالا فأكاد أكون رأيت. أنا ما رأيت و لكني عكست التاريخ من كلماتك صوراً و مددت من عمري إلى قبل هذا العمر لكي أُتْبِع فيه أوراقك الخاصة و غوايات الضفيرة. بحّاري لا تنادي فأنت في دار الصدى؛ متوازيان برٌّ و بحر، لا تنادي فقد تعشق ذاتك، أو تناديها فتُنكِر ذاتك. هي في الثوب المشجّر و علامات الطُّوَف، هي في صوت الصباح، هي في المكحلة و المبخرة و الصندوق و جميع تماثيل الأنوثة. هي حولك و أنت فيها، لا أراها توارت في الثرى طيبة. حسها في صيحات أطفالك و لونها صَبَغَتْ به يديك، و شفتيها تقاسمتها الشموس فقُبلةٌ في كل حين
إرحل حبيبي فكذا عهدتك راحلا، لكن لا تأمنن الرحيل فقد يجرّ رحيلا