أنا ما رأيت
لكنني ما زلت أذكر نار موقدنا بمنزلنا القديم
و حديث والدي الضرير عن الحياة
و عن الحروب. حروبنا ضد الغزاة؛
الأرض قاحلة هنا حتى الذئاب
تخشى ظهيرتها. و لكن الملوك
و الترك و الألمان و المتسللون
باسم الحضارة و الحماية. هؤلاء المدعون
كم حاربونا بالأساطيل الكبيرة. و الجنود
يترصدون شراع غواص يعود
كي يغرقوه
كي يقتلوه
يا قارب الصياد إياك التوغل في البحار
فالبحر مثل الأرض ملك الأقوياء
و الدر للحسناء نجمعه و نحن إلى الشقاء
و يروح والدي الضرير
يبكي و يسعل. و الدخان
يندس في عينيه في البيت القديم
و نروح نسأل المزيد؛
يا والدي ماذا رأيت؟
يا والدي لِمَ قد بكيت؟
و يظل يسعل ثم يجهش في البكاء
و يقول كنا! أقوياء
كنا أمام هجومهم مثل الرمال على العيون
مثل الظهيرة في بلادك يا بني
مثل المنون
أنا ما رأيت
لكن والدي الضرير
قد قال لي هذا بمنزلنا القديم
و أروح أسأل: ما الذي ببلادنا غير الرمال؟
و يجيب والدي الضرير عن السؤال؛
لابد للأظفار من شيء تمزقه. و مَن حَمَل
الحِراب
أبداً يفتش عن رقاب
و الأرض تمنح عندما تجد الرجال
أنظر. و يكشف والدي عن صدره الواهي
الضعيف
و أرى الندوب كأعين الموتى كأوراق الخريف
في صدره الواهي الضعيف
و يروح يلمسها كآثار قديمة
بأصابع مثل العيون
تفلي مكان الجرح. تعرف أي تاريخ حزين
في كل جرح. و الجراح
فخر الرجال
كالوشم في الحسناء. يا وطن الظهيرة و الرمال
الموت و الجدري أرحم من قراصنة البحار
و ذراك أرفع، و الجميع إلى الزوال
إلا النجوم
و الشمس و الأقمار و السور العظيم
يا نار موقدنا بمنزلنا القديم
ما زال دفؤك في عروقي مثل آثار الجراح
في صدر والدي الضرير
قنديل عينيه أضاء لي الطريق
و جراحه مثل الهوامش في طريق الشمس. يا
وطن البحار
يا عندليب الفجر يا عطر القرنفل يا سماء
الرمل أورق بالدموع و بالدماء
مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١
بحّاري يا نور عيني، تلطّف أرجوك على خاطري المُبْعَد الحزين، و تعال تلمّس رمال بلادي و تدفّى؛ هي جرح البحر القديم و في البحر لا يبقى جريح. الجرح مساحة للشك على أجسادنا و الجدران التي نعيش بينها، و البحر لا يقبل جريح.... لهذا كانوا أقوياء
يالها من دموع هذي التي تنحدر من مقل خلت من نظر، فبقيت لنا محض عيون نرتع منها الألم و نستدر منها عاطفة الشمس في أطلال نورها، لنذكر، و نتذكر، و نتذاكر، ثم نذاكر
بحّاري عيوننا المدهوشة على صدر والدك كعيون الشمس حارت على الرمال، فلابد أن نبني لنهتدي، لابد أن نبني لتهتدي شمسنا إلى ظلال و يهتدي الحبيب إلى عباة حبيبته. و عُد إليّ لنهرب بين الندوب إلى مكان فيه نختبي، إلى مكان فيه نلتقي بعيدا عن قراصنة الفلوس و عن حماة الأرض الذين لفّقوا كذبة الوطن..... ثم أبْحِر حبيبي عن كل شيء
فإذا ارتاح بومك، يرتاح البحر من الحياة
و حديث والدي الضرير عن الحياة
و عن الحروب. حروبنا ضد الغزاة؛
الأرض قاحلة هنا حتى الذئاب
تخشى ظهيرتها. و لكن الملوك
و الترك و الألمان و المتسللون
باسم الحضارة و الحماية. هؤلاء المدعون
كم حاربونا بالأساطيل الكبيرة. و الجنود
يترصدون شراع غواص يعود
كي يغرقوه
كي يقتلوه
يا قارب الصياد إياك التوغل في البحار
فالبحر مثل الأرض ملك الأقوياء
و الدر للحسناء نجمعه و نحن إلى الشقاء
و يروح والدي الضرير
يبكي و يسعل. و الدخان
يندس في عينيه في البيت القديم
و نروح نسأل المزيد؛
يا والدي ماذا رأيت؟
يا والدي لِمَ قد بكيت؟
و يظل يسعل ثم يجهش في البكاء
و يقول كنا! أقوياء
كنا أمام هجومهم مثل الرمال على العيون
مثل الظهيرة في بلادك يا بني
مثل المنون
أنا ما رأيت
لكن والدي الضرير
قد قال لي هذا بمنزلنا القديم
و أروح أسأل: ما الذي ببلادنا غير الرمال؟
و يجيب والدي الضرير عن السؤال؛
لابد للأظفار من شيء تمزقه. و مَن حَمَل
الحِراب
أبداً يفتش عن رقاب
و الأرض تمنح عندما تجد الرجال
أنظر. و يكشف والدي عن صدره الواهي
الضعيف
و أرى الندوب كأعين الموتى كأوراق الخريف
في صدره الواهي الضعيف
و يروح يلمسها كآثار قديمة
بأصابع مثل العيون
تفلي مكان الجرح. تعرف أي تاريخ حزين
في كل جرح. و الجراح
فخر الرجال
كالوشم في الحسناء. يا وطن الظهيرة و الرمال
الموت و الجدري أرحم من قراصنة البحار
و ذراك أرفع، و الجميع إلى الزوال
إلا النجوم
و الشمس و الأقمار و السور العظيم
يا نار موقدنا بمنزلنا القديم
ما زال دفؤك في عروقي مثل آثار الجراح
في صدر والدي الضرير
قنديل عينيه أضاء لي الطريق
و جراحه مثل الهوامش في طريق الشمس. يا
وطن البحار
يا عندليب الفجر يا عطر القرنفل يا سماء
الرمل أورق بالدموع و بالدماء
مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١
بحّاري يا نور عيني، تلطّف أرجوك على خاطري المُبْعَد الحزين، و تعال تلمّس رمال بلادي و تدفّى؛ هي جرح البحر القديم و في البحر لا يبقى جريح. الجرح مساحة للشك على أجسادنا و الجدران التي نعيش بينها، و البحر لا يقبل جريح.... لهذا كانوا أقوياء
يالها من دموع هذي التي تنحدر من مقل خلت من نظر، فبقيت لنا محض عيون نرتع منها الألم و نستدر منها عاطفة الشمس في أطلال نورها، لنذكر، و نتذكر، و نتذاكر، ثم نذاكر
بحّاري عيوننا المدهوشة على صدر والدك كعيون الشمس حارت على الرمال، فلابد أن نبني لنهتدي، لابد أن نبني لتهتدي شمسنا إلى ظلال و يهتدي الحبيب إلى عباة حبيبته. و عُد إليّ لنهرب بين الندوب إلى مكان فيه نختبي، إلى مكان فيه نلتقي بعيدا عن قراصنة الفلوس و عن حماة الأرض الذين لفّقوا كذبة الوطن..... ثم أبْحِر حبيبي عن كل شيء
فإذا ارتاح بومك، يرتاح البحر من الحياة