إن السؤال عن الحكم الديني في الأمور الحياتية يدل على اهتمام السائل و رغبته في إرضاء الله، و لكن كل ما فيه كثرة يعود بالمضرة فقد أوصى الرسول عليه الصلاة و السلام بالابتعاد عن كثرة السؤال و القيل و القال و النوم و الإهمال. و إنني أرى العديد من الناس يستفتون فيطبقون ما قيل بلا تفكّر و أرى في ذلك ضرب من الإهمال و التواكل، فقد أوصى الله في القرآن بالتفكر و الاجتهاد. و ليس ذلك بأن نتبع المجتهدون و لكن بالاستماع إليهم و مناقشتهم برأينا و محاولة الوصول إلى طريقة بيّنة في أسلوب الحياة ليست بالضرورة موافقة لأسلوب حياة الجميع و لكنها تفيد المعنى المراد من كل حكم
هناك من المفتين ما يقول لك الحكم من غير سبب، و إن أعطاه فهو ليس بالضرورة سببا قد يهمك أو يؤثر فيك أو يضرك، فحكم المفتي عام، و حالتك خاصة. جدير بالإنسان أن يسأل و يبحث و يفكر لكن أن يسلم بما قال المفتي شيئا غاية في الخطورة، و قد يؤدي إلى تغييب الضمير و الضابط و المنطق الشخصي، ليكون بعض الناس في أفعالهم أقرب إلى الأحمق الذي ينوي خيرا فينقلب شرا. غالبا ما يذكر رجال العلم بشيء من الدين بالحديث النبوي الذي ينهى الناس أن يكونوا كالإمعة -أي القطيع- الذي تلحق بعضها بعضا، و لكن عادة يتم استعماله لمثال الجري وراء الشهوات و المعاصي، و لا يراعون ذات الإدراك في اتباع الأحكام أو الفتاوي من غير دراية و لا علم
إن هذا الاتباع الأعمى أصغر في نظري قيمة الفتاوي في زمننا هذا و خاصة بعد أن صارت في بعض الأحيان تسويقية، فاذهب لهذا البنك لأنه حلله المفتي الفلاني، أو لا تنتخب هذا المرشح لأنه يتبرع للكنائس و ما إلى غيره من الأمور التي تؤثر على الناس بطريقة قوية لدرجة أني لا أخرج بشيء إن دخلت في نقاش مع أي ممن يتبع ما قال المفتي لشدة تحجر أدمغتهم باتباع ما قيل و "تبرئة الذمة"على حد قولهم في إلقاء الذنب على المفتي في حال أنه أخطأ
يدور هذا في ذهني منذ زمن إلى أن كتبت البارحة في خانة البحث عن أغنية لليلى مراد (أكتب لك جوابات) و أول ما اوردت صفحة البحث هذا الرابط. إن في فتواه طعن لأدب الرسائل، و إنه كبت لمشاعر ليس فيها أذى و لا معصية، أود جدا سؤال هذا المفتي هل الخيال حرام؟ أعتقد إنه يود إلغاء الخيال من طبيعة الإنسان لما فيه من شيطنة و سوء استغلال للعقل، و حتى لو كانت رسالة هذا الخاطب المسكين فاجرة و مليئة بالشهوات، فالرسالة في تركيبها و أسلوبها و تنسيقها ستخبر خطيبته عن العديد من صفاته فلماذا اقترن الحب بالرذيلة؟ إن الرسالة تعبير كتابي عن الذات و ما أجمله و أنبله من تعبير
و خلاصة القول أن ما أؤمن به أن إرضاء الله هو في التفكر في هذه الحياة و في خلقه و محاولة إخراج المعاني السامية و الحقيرة لأن كلاها يدلنا على الحكمة و الحُكم، و لهذا في رأيي أمرنا بالصلاة، ففي الصلاة توحيد للحركات لكي لا تكون الحركات مصدر شغلنا، و فيها الوقت معظّم للتفكير في علاقتنا بأنفسنا و الخالق، لأن الوقت يوما بعد يوم يختلف كما التفكير وكما النفس