مقدمة في القُبْح

فقهت من الحسن قدرا أصابني بالكلل، و حين تبدد الكلل حل الملل. فدخلت صندوق العجائب، رأيت فيه تبدل حالات التضاد و اجتماعها كأنها الترادف، و اختلط الحابل بالنابل، فظهر ما خفي عن عامة الناس ممن صدّق كلام المدارس فاحتالت حياته إلى محض كلمات، نتاج أفكار واهيات ليس لها من الأصل ثبات مصفوفة كمنهج لا نستطيع منه سوى الإفلات

إن أبسط تقدير للشيء وصفه بما يشبهه في الصورة و هو لا يخلو من القوة في التعبير، يقل عنه شأنا وصف الشيء بمفهوم عام، كالقبح أو الحسن أو الحب أو البغض، فهي كلها مفاهيم لا تصف الملموس من الأشياء إلا إذا عوملت معاملة الشيء فزادت و نقصت و تبلورت و انصهرت و تحولت إلى شيء جديد لا تتعلق بما كانت إلا بتعريف أصلها و قد تفوق بقيمتها الشيء نفسه

هكذا تعرفت على الحسن، تجربة تِلْوَ تجربة في معملي المظلم الصغير أو في أنحاء البسيطة، إلى أن أدركت غياب الحُكم في البحث عن كفة واحدة من ميزان التضاد، و من هنا أبدأ بحثي في الفصيح من القبيح

-

قبح، أول كلمة في فصل القاف/حرف الحاء من لسان العرب
القُبْحُ ضد الحُسْنِ يكون في الصورة و الفعل قَبُحَ يقبح قبحا و قُبوحا و قُباحا و قباحة و قُبوحة و هو قبيح و الجمع قِباح و قَباحى و الأنثى قَبيحة و الجمع قبائح و قِباح. قال الأزهري هو نقيض الحُسن عام في كل شيء و في الحديث لا تُقَبّحوا الوجه معناه لا تقولوا أنه قبيح فإن الله مصوّره و قد أحسن كل شيء خلقه و قيل أي لا تقولوا قبح الله وجه فلان، و في الحديث أقبح الأسماء حرب و مُرّة هو من ذلك و إنما كان أقبحها لأن الحرب مما يتفاءل بها و تكره لما فيها من القتل و الشر و الأذى و أما مُرّة فلانة من المرارة و هو كريه بغيض إلى الطباع أو لأنه كنية إبليس لعنه الله و كنية أبو مُرّة و قبحه الله صَيّره قبيحا. قال الحُطَيئة

أرى لك وجها قَبّح الله شخصه * فقُبِّح من وجه و قُبِّح حامله

و أقبح فلان أتى بقبيح و استقبحه رآه قبيحا و الاستقباح ضد الاستحسان و حكى اللعياني اقبُح ان كنت قابحا و انه لقبيح و ما هو بقابح فوق ما قَبُح قال و كذلك يفعلون في هذه الحروف إذا أرادت افعل ذاك إن كنت تريد أن تفعل و قالوا قُبحا له و شقحا الأخيرة اتباع أبو زيد قَبَحَ الله فلانا قَبحا و قُبوحا أي أقصاه و باعده من كل خير كقُبوح الكلب و الخنزير. و في النوادر المُقابحة و المُكابحة المُشاتمة و في التنزيل و يوم القيامة هم من المقبوحين أي من المُبعَدين عن كل خير و أنشد الأزهري للجَعدي

و ليست بشَوها مقبوحة * توافي الديار بوجه غَبِر

قال أسيد المقبوح الذي يُرَد و يُخسأ و المنبوح الذي يُضرب له مثل الكلب. و روي عن عمار أنه قال لرجل نال بحضرته من عائشة رضي الله عنها أسكت مقبوحا مشقوحا منبوحا أراد هذا المعنى أبو عمر و قبحت له وجهه مخففة و المعنى قلت له قبحه الله و هو من قوله تعالى و يوم القيامة هم من المقبوحين أي من المُبعَدين الملعونين و هو من القبح و هو الإبعاد و قبَّح له وجهه أنكر عليه ما عمل و قبح عليه فعله تقبيحا و في حديث أم زرع فعنده أقول فلا أُقَبّحُ أي لا يُرَدّ عليّ قولي لميله إلي و كرامتي عليه يقال قبّحت فلانا إذا قلت له قَبَحَه الله من القَبْح و هو الإبعاد. و في حديث أبي هريرة أن مُنِع قَبّح و كلح أي قال له قَبَحَ الله وجهه و العرب تقول قَبَحَه الله و أما زمعت به أي أبعده الله و أبعد والدته الأزهري القبيح طَرَف عظم المِرفق و الإبرة عظيم آخر رأسه كبير و بقيته دقيق ملزز بالقبيح و قال غيره القبيح طرف عظم العضد مما يلي المرفق بين القبيح و بين إبرة الذراع و إبرة الذراع من عندها يذرع الذراع و طرف عظم العضد الذي يلي المنكب يسمى الحسن لكثرة لحمه، و الأسفل القبيح و قال الفراء أسفل العضد القبيح و أعلاها الحسن و قيل رأس العضد الذي يلي الذراع و هو أقل العظام مُشاشا و مُخّا و قيل القبيحان الطرفان الدقيقان اللذان في رؤس الذراعين و يقال لطرف الذراع الابرة و قيل القبيحان ملتقى الساقين و الفخذين قال أبو النجم

* حيث تلاقي الابرة القبيحا * و يقال له أيضا القَباحُ و قال أبو عبيد يقال لعظم الساعد مما يلي النصف منه إلى المِرفق كَسْرُ قَبيح قال

و لو كنتَ عَيْرا كنتَ عَيْرَ مَذَلّة * و لو كنتَ كَسرا كنتَ كَسْرَ قبيح

و انما هجاه بذلك لأنه أقل العظام مُشاشا و هو أسرع العظام انكسارا و هو لا ينجبر أبدا و قوله كسرقبيح هو من إضافة الشيء إلى نفسه لأن ذلك العظم يقال له كسر الأزهري يقال قبح فلان بثرة خرجت بوجهه و ذلك إذا فضخها ليخرج قيحها و كل شيء كسرته فقد قبحته. ابن الاعرابي يقال قد استكمت العُرُّ فاقبحه و العُرُّ البثرة و استكاته اقترابه للانفقاء و القُبَّاح الدُّب الهَرِم و المَقابح ما يُستقبح من الأخلاق و الممادح ما يستحسن منها

-

فالقبيح كما قرأنا مقرون بصورة، أو وجه، أو ما لا يستوي أمره إذا كُسِر، و من الأخير كثير، من أيامنا أكثر من أشكالنا. فالأشكال تعتدل إن طال النظر فاعتاد البصر. لكن أيامنا التي تمشي أسرع من لمح العين تتقافز علينا كوجوه القُبح المُفَسّرة أعلاه، لا تعتدل، و سرعان ما تُستَبعَد و تنتهي. قد تقول في ذلك أننا لم نستقبح يومنا هذا، ذلك لأنك لم تكُن واعيا عند لحظة الاستقباح، فهي لحظة لا تعيها إلا إن كنت عارفا بمواقيت الزمان و ما أكثرها

أو واعيا، لكن خداع البصر وارد، يضيع أحكامنا على الأشياء بكلمة "ربما" فنستحي مما نرى و نهرب من عيوننا لعيون أخرى عمياء لا ترى الدنيا، و لا تعيش في مداها، فنقول نريد سلاما و لا نرى السلام، لأننا لا نرى شيئا في الحقيقة، فالحُسن ليس سلاما! و لا راحة للبال، كما القبح، كما كل مفهوم يؤثر فينا

قيل لي ذات يوم عن قصة حواء و خروج آدم من الجنة، أن كل من فسرها اتهم المرأة، لكن لم يتفكر أحد بأن مفهوم شغف العنصرين بالمادة (الشجرة) هو ما أخرج آدم و حواء من الجنة - و هنا تمتاز هي عليه في معيار شغفها طبيعةً و لكنه لا يختلف عنها في شغفه -، فمفهوم المادة هو القبيح لكن المرأة هي ما قُبّح.
و بذلك نفهم وجوب الاختلاف بالرأي حول المادة، لكن بنفس الوقت هناك سعي وراء اتفاق فيما هو غير ظاهر أو ملموس. الاتفاق على الشغف بالمادة هو من أسوأ الاتفاقات على الإطلاق. و نرى الناس تختلف في ما هو غير ظاهر بسبب تصوير القصص و التاريخ لكنهه، فنرى الضدان يجتمعان و تصبح المفاهيم أشكالا و تصبح الأشكال مفاهيما، فتنقلب الدنيا رأسا على عقب، و ندخل بذلك دوامة الحُكم الأبدية.

الانسان يُشتم بعد ظهور قبيح روحه، فلا تراه قبيحا صورةً إلا بعد فعلٍ فَعَله. لكن الإنسان أبطأ من الأيام، لذلك نرى قبيح الوجوه و لا نرى قبيح الزمان إلا بعد أن نهرم و نتوازى معه شكلا و مضمونا و سرعة في الانقضاء