يوم

بعد أسبوع من النوم المتقطع و العيش صباحا و مساءا بين الأوراق، بدأت عطلة العيد. أردت النوم "نومة هنية" لكنها كانت أبعد ما تكون عن ذلك. صحوت للمرة الخامسة لأراها التاسعة صباحا. ذهبت أمشي على البحر، بعد حوالي النصف ساعة، شعرت بأني لست على ما يرام. فرجعت إلى سيارتي و أنا أحدق في الوجوه المختلفة مسترجعة كتاب أمين معلوف "الهويات القاتلة".. على شارع الخليج إلى شرق ثم توجهت إلى بيت جدتي على شان الغداء

بعد الغداء

تبي أقرأ ايدك؟
تعرفين
يعني


و تجمع علي المجتمعين و كلهم ايمان بوجوب وجود معنى لكل خط، سواء البنات منهم أو الشباب

هي قرأت بيدها أكثر مما قرأت في يدي
هذا كل اللي قدرت أقرأه في ايدك
طالعي في خطوط وايد
ضحكت
انزين هذا الخط؟
يمكن اهتمام ثاني في حياتك
مرة واحد معاي بالمدرسة قاللي اني راح اتزوج ثلاث حريم، وحدة سعلوة و الثانية مسكينة و الثالثة راح تموت صغيرة
تساءلت عن مدى خيال رفيقه الواسع

بعد قليل

ديمة
نعم
شرايك نسوي قراية كف في بيتكم
من صجك
اي .. اي، صدقيني نربح
شكرا ما ابي، قلت له و انا اتذكر فيلم البيضة و الحجر لأحمد زكي


تذكرت حاجة الناس الغريبة للأوهام و السحر و الأسباب الواهية في ذلك الفيلم. ذهبت بعدها إلى مكان هادئ أقرأ فيه "الهويات القاتلة" و ما أكثر الأماكن الهادئة في العطلة، لأن الكويتيون يحبون الاجتماع في مكان واحد فتفضى الأماكن الأخرى

و انا في المقهى، تسمر أمامي طفل فليبيني الجنسية، يحدق بي بعينيه الكبيرتين الجميلتين. ثم جلس أمامي و عائلته تتطلع إليه من بعيد

he found himself a date

قلت لهم ضاحكة. بعد فترة طويلة من التحديق أخذ الكتاب مني و صار يتصفحه، أعطاه أباه الطيب دفترا آخر كي يلهيه عن كتابي، فأعطاني الدفتر و أخذ الكتاب بمبادلة بريئة. فقصصت ورقة من الدفتر و صنعت له طائرة ورقية، لكن شغفه بالكتاب كان أكبر، بعد ذلك أخذ الأب الطائرة الورقية بيد و حمل طفله بيد، و ابتعد عني مرسلا صوت طائرة تحوم هنا و هناك

أجريت مكالمة هاتفية أرهقت يومي أكثر و مررت ببنت خالتي للتمشي بالسيارة، فذهبت بي السيارة إلى فيرجين لشراء قصة موستيك

طوال الطريق إلى البيت، كانت بنت خالتي تقرأ بشغف و فرح، تضحك و تلقي عبارات استحسان و استغراب بين الصفحات، فابتسمت بإرهاق و قلت لها أني سأرجع البيت لأنام

اعطيني القصة اول ما تخلصينها
ان شاء الله


اتصلت برفيقتي أعتذر عن المجيء للمطعم، و رجعت البيت و نمت ساعتان، صحوت بعدها، بكيت قليلا، و ذهبت إلى أبي في داره، و جحا يحاول قراءة ورقة لامرأة جميلة على الشاشة أمامه

بعد أن قلّب الورقة عدة مرات قال: زوجتي المصونة، و الجوهرة المجنونة، لقد اشتقت إلى طلتك البهية
ما هذا الكلام الفارغ، ان هذه الورقة صك ملكية البيت، قل لي يا جحا بذمتك ان كان لك ذمة، أما تستحي من وجهك
اعذريني يا امرأة، فأنا أفهم قليلا من العربية و قليلا من الأفرنجية و الصك فيه من اللغتين العربية و الأفرنجية معا فلم أفهم شيئا

شلونك ديمة؟
زينة
شلون الراحة؟
مو زينة


هي الراحة زينة لكني أجبته كذلك لا شعوريا لأني لم أكن حقا مرتاحة، ففهمها أني لا أحب الراحة، و تركته على فاله، فقال

الانسان محتاج يرتاح من وقت لآخر

رجعت غرفتي و رديت أسمع غريب يا زمان و أنا أكتب هذا الكلام، بعدها قرأت حديثا عن الزهد فيما نريد من الناس، حديثا أراحني لكني ظللت غير قادرة على النوم، القريبين مني يعلمون اني لا أحب النوم الكثير، و كم تمنيته الليلة
ذهبت إلى غرفة والدي مرة ثانية، لقد ناداني قبل ساعة لأشاهد فيلما للريحاني، لكنه انتهى. كان يشاهد مقابلة مع الأديب فاضل خلف، كانت المقابلة في نهايتها

ايماءات يديه حين يتكلم، تشبه ايماءات يديك
لقد أرسل لي أبيات شعر حين كنت في كامبردج أظن مطلعها
أيها الزائر كامبردج - زدت شوقا متجدد
أظنها متأجج


فصار يحكي لي عن حياته و كيف كان له دور فاعل عندما كان ملحقا ثقافيا في تونس و عن رحلته إلى لندن، و كنت أستزيد. كنت أريده يسهب في الحكايا، فقد غادرني النوم و قلبي كله أمل في سماع قصة. عرض بعد ذلك برنامجا عن حياة روزوفيلت. شاهدناه

لقد ملك قلوب الجماهير المتحمسة لأنه كان يتكلم بالعموميات، و كان كلامه مجموعة من الاقتراحات المبهمة

ضحك والدي و قال

كل السياسيين هكذا
معتمد كليا على شخصيته
بين شخص متمرس في الإدارة بدون قدرة على الخطابة، و شخص قادر على الكلام و الإقناع، يضيع الجماهير


أخذت قرصا مهدئ و ذهبت للنوم

انتهى