على حافة الرخام

ذهبت إلى مساحة مستطيلة من الرخام المجلي الخالي من خرائط العروق يجلس على حوافها الناس و يتوجهون بأطرافهم إلى جانب الضلع الأصغر من المستطيل و يستمعون لشاعر مُقاومٍ لانفعالات الحديث. كان يتكلم في البداية عن انعكاس الجالسين على صفحة الرخام و كيف أنه مهما رأينا أشخاصا يشبهوننا من خلالها فنحن ما زلنا أفرادا لم و لن نتكون من انعكاس و إنما خُلِقنا من العدم و لابد أن نكون نحن من نرسم صورتنا على الصفحة لا أن هي ترسمنا. و فصّل بأننا نفهم من انعكاس صور الناس بالمقلوب هو أن المدى الذي ننتهي نحن عنده جلوس إنما هو ثنية من ثنايا الفراغ و لكننا دائما في شك من وجودها ندركها إذا اعترض أبعاد الجلوس رجل يظهر في منتصف المستطيل و ننساها إذا اختفى ثم تساءل عن علاقة الحركة المستمرة للفرّاشين الذين يقدمون الماء للجالسين مع المدى، و دار النقاش بعد ذلك حول الفرّاشين كبُنْية تحتية و كيف أن تنقّلهم و ترحالهم أدى إلى إدراك مغاير للمدى مقارنة مع إدراكنا له في مثال الرجل الذي يظهر في منتصف المستطيل ثم يختفي فثنايا الفراغ تزداد و تتكاثر مع حركة ناقلي الشاي و الماء.

و لكن قاطَعَتْه المشربيّة الُمنارة بالنيون من خلفها أن أفكارنا حول المدى لا يهزم بعضها بعضا و إنما تُغزل فُكاهياً للضرورة. فاحتكاك أزمنتنا يجبرنا على الاختلاف و لسنا نحن من اخترنا ذلك.

ثم جاء شيخ كبير، و قال للحاضرين بأسلوب المُعلِن: لا وجود للمدى! إنما هي أسطورة افتعلناها لنعرف أماكننا في هذا الفراغ الأملس. و ذهب. ابتسمتُ لهذا المقال ثم التفتُّ إلى الناحية الأخرى من ضلع المستطيل الأصغر فرأيتُ مِنَصّة خالية تأملتها قليلا ثم مضيتُ و أنا أتساءل متى تظهر عروق الرخام؟