DEEMA ALGHUNAIM

View Original

فرادى


 في وصف الألم نستطيع أن نتكلم عن الحزن، الظلم، القمع، التعذيب، الفقد، و لكن من الصعب جدًا فضح الشعور  بالوحدة، فنعالجها أو نخضعها لتعابير عدة؛ غربة، عزلة، هجرة، منفى، سجن. في الغربة إثبات لوجود مجتمع متآلف، و  في العزلة اختيار ابتعاد عن المجتمع، الهجرة بحث لمجتمع آخر، المنفى ابتعاد قسري عن مجتمع معين، و السجن إجبار على المكوث في مكان مخصص بعيد عن الناس. هي كلها تعابير فيها الاختيار أمر واقع إما من الشخص  أو عليه. لكن الوحدة ، هل هي شعور أم صفة؟ هل هي سبب أم عَرَض؟

هل لها مدة؟ أم أنها ظهورٌ طارئ كصور الذاكرة في غمرة حديث شيق. للوحدة كما أتخيل حضور بارد و ما لها موقع يوجع، و لكنها تعمل تدريجيًا على انكماش الجسد. و للوحدة أعوان لغوية كالفردية و الاستقلال و الوحدانية و ربما النرجسية، كيف إذن هو الحوار بينها و بين هؤلاء الأعوان؟ و متى تخرج حالتها الرخوة من هذه الدروع الصلبة؟

نحن نأتي إلى هذه الأرض فرادى و ينسب إلينا اسم و أصل و فصل، نتعلم أن لنا تاريخ يسبب حاضرنا. و نحن نبعث من هذه الدنيا فرادى لكن نبعث مجردين من أهلينا، نبعث عارين من كل صلة، و كأن الصلة هي خطيئتنا الأولى و الأخيرة. نعيش الدنيا موسومين برذيلة التعارف و التواصل، إلى أن ننتهي إلى يقين هذه الوحدة

 إن الوحدة هي أضعف حالات الأنا، و تنبض كالإشارة بقرب الأجل، فهي هاجس مشين نابع بالخير ، تلازمنا فننتفض بفعل شيء جيد لمن هم حولنا. قد لا نشعر بمولد هذه الطاقة، و قد لا ندري سببًا لأفعالنا. قد نسميه أخلاق أو دين أو حب، لكنها محض مادة رخوة في صميم الأنانية تدعى الوحدة